حوار مع أستاذي المؤمن

لدكتور محمد شاور

أستاذى ومعلمى ومثلى الأعلى لسنوات طوال صوته الرخيم لازال يعود بى إلى حلم شبابى وصباى .. هو جزء لايتجزأ من نشأتى ومعرفتى وخيالى .. عشت كتاباته وتأملاته وصرت له تلميذاً ومريداً ..ولايمكننى إنكار دوره فى حبى وتعلقى بالعلم ..رأيت فى حديثه الرصين الكثير من السلاسة والمنطق الهادىء - ووصلتنى كلماته وحججه صارت جزءاً لايتجزأ من تركيبتى الفكرية والعلمية بكل ما حوت تلك التركيبة من حسنات أو عكس ذلك ..وبعد أن تشكل تفكيرى وعقلى عبر أعوامى الأولى الثلاثين، حان الوقت بعدها أن أشق طريقى أنا من حيث تركنى هو .. عند مرفأ العلم والإيمان ..وكان لزاماً على أن أعيد النظر فى فكر ترسب فى كيانى وصار جزءاً من هويتى، ولم أتوقف عن السؤال والتساؤل - وتحديت أفكاراً رسخت ليس فقط فى عقلى أنا بل فى عقل أمة بأكملها .. وقلبت كل أمر على كل أوجه، ولم أجبن عن تحد أى فكر أو أيديولوجية .. ولم أهرب أبداً من سؤال صعب ..وكانت النتيجة هذا الكتاب

المقدمة

كلمة أولى .. الخالق والمخلوق

دكتورنا الكبير لايضيع وقتاً .. أسلوبه السلس والمباشر يضع الكلور مع الصوديوم لينتجا كلوريداً للصوديوم – انتهينا .. وفلسفته فى أولى صفحات الكتاب فلسفة مباشرة صادمة – كيف تجعل من الخالق مخلوقاً .. أليس ذلك هو عين التناقض؟ فها هو صديقه الملحد يسأله: “أنتم تقولون أن الله موجود، وعمدة براهينكم هو قانون السببية الذى ينص على أن لكل صنعة صانعاً، صدقنا وآمنا بهذا الخالق .. ألا يحق لنا بنفس المنطق أن نسأل: ومن خلق الخالق؟ ألا تقودنا نفس استدلالاتكم إلى هذا؟ ما رأيكم فى هذا المطب دام فضلكم ..؟”

ويجيب مصطفى محمود بقوله : “سؤالك فاسد .. ولامطب ولاحاجة فأنت تسلّم بأن الله خالق ثم تقول من خلقه؟! فتجعل منه خالقاً ومخلوقاً فى نفس الجملة، وهذا تناقض .. والوجه الآخر لفساد السؤال أنك تتصور خضوع الخالق لقوانين مخلوقاته .. فالسببية قانوننا نحن أبناء الزمان والمكان .. والله الذى خلق الزمان والمكان هو بالضرورة فوق الزمان والمكان، ولايصح لنا أن نتصوره مقيداً بالزمان والمكان .. ولابقوانين الزمان والمكان ..” وفى حقيقة الأمر ربما كان ذلك المنطق الذى يطرحه مصطفى محمود هو أصعب حجة واجهتنى خلال رحلتى من الإيمان إلى ما أسميه أنا الآن بالفكر الحر .. فكيف لى أن أتعامل مع منطق يقول بكائن لايخضع لقوانين الطبيعة – فنحن إذا ما خرجنا عن حدود عالمنا المألوف وقوانينه فإن أى شىء يصير ممكناً إذن، وليس علينا إزر إثباته ..والمشكلة هنا تبدو وكأنها مشكلة غير المؤمن – فمدعى الإيمان يقول بأن الإله لايخضع لقوانين الطبيعة، وتلك حجة لايمكن التعامل معها لسبب بسيط هو أن ما لايخضع لقوانين الطبيعة هو أمر لايمكن استيعابه أو تفسيره – ولهذا السبب نفسه فهو أمر لايمكن أيضاً نفيه – وهنا تكمن المشكلة .. فغير المؤمن ليس لديه إمكانية إثبات ذلك أو عكسه، فهو أمر خارج الطبيعة – وهنا يرتد السؤال على مدعى الإيمان:- كيف عرفت ذلك؟ كيف تيقنت من أن هناك كائناً خارج حدود الطبيعة ليس له أول ولاآخر ولا له موجد ولاهو يموت؟ كيف تمكنت من فهم ذلك وهو أمر لم يصمم عقلك على استيعابه؟

ولماذا اتضح الأمر لك أنت ولم يتضح لألوف وملايين البشر – ومنهم كثيرون حاولوا وفكروا وأمضوا العقود فى البحث وعادوا صفر اليدين .. إن العقل البشرى لكى يعقل أى أمر لابد أن يرى له بداية ونهاية – أما حينما تواجهنى بأمر لابداية له ولا نهاية فلابد لى إذن من الإقرار بأن هناك شىء لاأفهمه، وهنا الفرق، فالمؤمن يتوقف هنا ويعزو كل شىء لانفهمه الى كائن خارق للطبيعة، أما المفكر الحر فيحاول أن يخطو خطوة أخرى فى محاولة الفهم .. وأنا ليست لدى مشكلة فى الإقرار بأن هناك شىء لاأفهمه، بل إن كل العلوم الإنسانية منذ بدأ البشر لاتعدو إلا أن تكون الحروف الأولى فى موسوعة لاحدود لها .. إلا أن هناك أمور يمكن فهمها، أو نعمل على فهمها – وكل يوم يحمل معه فهماً جديداً لأمر لم يكن مفهوماً من قبل .. إلا أن فكرة الإله ليست كذلك – فهى أمر خارج قوانين الطبيعة – أو فوق الطبيعة .. ولنا هنا أن نتسائل – إن كان الإله فوق الطبيعة – كيف يمكن لبشر أن يحادثه ويسمعه – ويدعوه فيستجيب (أو يتجاهل)، بل وأكثر من ذلك – كيف له أن يملى كتباً وأحاديثاً وفكراً لبنى آدم – وهم بحكم تركيبتهم لايمكنهم التواصل مع ما خرج عن حدود الطبيعة .. ولماذا قرر هذا الكائن اختيارك أنت على وجه التحديد ليحادثك ويستمع إليك ويعينك فى أمور دنياك ولم يخترنى أنا؟ رغم أننى ما ادخرت جهداً فى محاولة فهمه والتقرب إليه .. والحاصل دائماً صفر كبير .. بماذا تميزت عنى؟ إن أى فرض يستحيل نفيه ويستحيل إثباته هو أمر لايخضع لمنطق .. ولكى تقنعنى بأن هناك كائناً خارقاً للطبيعة فلابد لى لكى أقتنع أن أعلق المنطق – ولا يبقى هنا سوى الإيمان والتسليم .. ولهذا السبب تحديداً صار الإيمان أمراً لايخضع لمنطق – بل وليس من المفترض أن يخضع لأى منطق .. فالله كما يعرّفه المؤمن هو فوق المنطق وفوق الطبيعة – إذن فهو فوق النقد وفوق الإنكار ولا يصح أن يخضع لمحاولات الإثبات أو لقوانيننا الوضعية وقوانين الطبيعة كما اكتشفها الإنسان وتعامل معها عبر ألوف السنين من البحث والدراسة .. وأنت عندما تقول أن العقل البشرى لايمكنه أن يحيط علماً بماهية الإله، كيف لك إذن أن تدعى فهمه وإمكانية محادثته والاطلاع على أسراره وإرادته ونواياه ..؟

ويهمنى أن أقول أننى لاأتحدث هنا عن أى من الآلهة التى تتحدث عنها الأديان .. فأنا لاأعتقد فى وجود أى من هذه الماهيات على تعددها، ولذلك يمكنك أن تعتبرنى ملحداً .. أما إذا كنت تحادثنى عن “موجد” أو “محرك أول” فلا يسعنى هنا إلا أن أقول أن إدراك ماهية ذلك ضرب من المستحيل، إلا أن ذلك لاينبغى أن يكون سبباً لكى نتوقف عن محاولة الفهم – فأنا لاأعتقد فى وجود إله كما تصوره الأديان، ولكننى أقول بأن هناك شىء لانفهمه .. وكل مايمكننى أن أقدمه هنا، كمفكر حر، هو أن أدعوك إلى التفكير معى، لربما إن نحن فكرنا سوياً فهمنا شيئاً جديداً .. ولربما ساعدتنى أنت على أن أرى شيئاً غاب عن نظرى .. ولربما ساعدتك أنا على تحرير عقلك وعلى أن أفتح أمامك أفقاً فكرياً جديداً .. فالفكر الحر هو أثمن ما يمكننى أن أقدمه أنا إليك الآن .. ولا يسعنى إلا أن أدعوك الآن إلى قراءة ما كتبت ولعلك اصطبرت قليلاً على القراءة .. إذ ليست هناك إجابة سهلة على أى سؤال .. إن إجابتى على هذا السؤال الأول هى كتاب بأكمله ..

انضم لاكبر تجمع لللادينيين في الشرق الأوسط

اقرا المزيد

فصول الكتاب

سيتم نشر فصول الكتاب تباعا

شارك المحتوي مع اصدقائك